التسويق الاجتماعي.. هل حان الوقت للتغيير؟

التأثير الاجتماعي

التسويق الاجتماعي.. هل حان الوقت للتغيير؟

لم نكد نعتاد على وجود ذلك الضيف الثقيل على قلوبنا وأرواحنا وصحتنا. ومع نهاية عام ثالث من التعايش مع الجائحة إلا وقد تنكر ذلك الوحش الميكروسكوبي في زيّ جديد لا نعرف إلى الآن مدى قدرته على الفتك بأرواحنا وكل من نحب. وكأنه يمارس مع البشر لعبة الخوف والحذر كلما أحسسنا بالاطمئنان حتى ولو لوقتٍ يسير. إن الخوف من المجهول يجعل الكوفيد عدوّاً لدوداً طبقا للمقولة المعروفة “الإنسان عدوّ ما يجهل”. غير أن التأثير الاجتماعي لهذا المرض الذي يغزو العالم أجمع هو الأخطر من بين كل تأثيراته الأخرى. كما نقول فإن كل شيء يمكن تعويضه في الاقتصاد والسياسة وغيرها، لكن الناس إذا فقدناهم فلن نستطيع تعويضهم مهما فعلنا

التغيير قد حدث!

التأثير الاجتماعي

في السنوات الثلاثة الأخيرة لمسنا جميعاً هذه التغيرات السلوكية الجبرية التي طرأت على المجتمعات على اختلافها. فأصبحت العادات التي كانت تعتبر طبيعية في مجتمعنا. على سبيل المثال (التقبيل عند اللقاء رجالاً ونساء) صارت تلك العادة سيئة بعد أن كانت تعبر عن الصداقة أو الحب او الحميمية. كما أن ارتداء الكمامة الطبية مر بمراحل بدأت بالاستنكار ثم الاستغراب ثم التعوّد ثم الفخر. كما أنه ولفترة صار البقاء بالمنزل نقمة بعد أن اعتدنا عليه نعمة

تلك التغيرات السلوكية ألقت بظلالها على كل مناحي الحياة وبالتأكيد فإن مجال الأعمال هو أكثر من طالته آثار التغيير. فهناك أنشطة ظهرت من العدم وأخرى دبّت فيها الحياة بعد موتها وأخرى لم تعد موجودة بعد أن كانت ملء السمع والبصر

دعونا نواكب التغيير

في هذا العالم الذي اتخذ شكلاً جديداً في كل شيء، وجب علينا جميعاً ان نعمل على التكيف والاستمرار واستثمار ما استجد حولنا. ولعل السبيل إلى ذلك بالنسبة إلى روّاد الأعمال هو أن يفهم جيداً توجهات المستهلك في ظل هذه المتغيرات الجذرية. وفي مطلع عامِ جديد لا ننتظر خلاله – على الأقل – أن يتغير الحال فأن ذلك التكيف وهذا الاستمرار قد صار حتمياً

لنكن إذن واقعيون مع أنفسنا ومن حولنا…

والواقعية تقول إن الأساليب التقليدية للتسويق لم تعد مجدية للعديد من الأسباب منها

الغالبية العظمى من العملاء والمستهلكين الآن هم من جيل الألفية وهؤلاء لا يقدمون ثقتهم بسهولة وعلى أطباق من فضة أو ذهب. لكن هم يتحرّون عمّا يستهلكون بدقّة. كما يعقدون المقارنات التي يسهل عملها لأي منتج او خدمة عبر العديد من المواقع الإلكترونية ولمختلف المنتجات والخدمات. بالإضافة إلى أن مقاييس جيل الألفية لتفضيل منتج عن آخر قد اختلفت وخاصة وأن قدرة الشركات على تطوير المنتجات في ظل المنافسة صارت متقاربة من حيث الجودة. لذلك فعنصر جودة المنتج او الخدمة لم يعد حاسماً لدى هذا النوع من المستهلكين الذين يزداد وعيهم يوماً بعد يوم

التغيرات السياسية والاجتماعية من حولنا في العقدين الأخيرين كانت عنيفة وجذرية. يمكننا القول إن هذه التغيرات قد ألقت باهتمامات جديدة لدى الناس لم تكن أبداً ضمن سلّة اهتماماتهم من قبل. بالتالي فقد تصاعدت التوجهات القيمية مقابل الاستهلاكية وأصبح الاهتمام بالجوانب الأخلاقية أكثر من ذي قبل

تجارب العديد من الكيانات الاقتصادية العالمية في التسويق الاجتماعي حققت نجاحاً كبيراً في مقابل التسويق التقليدي. فالحملات التسويقية الكبيرة والأموال التي أنفقت عليها من قبل كوكا كولا، فودافون، نستله…الخ. هذه الحملات هي أكبر دليل على تخلّي هؤلاء العمالقة عن الأفكار التسويقية التقليدية

ظهور هذا الوباء (كوفيد-19) قد غيّر الكثير من المفردات التسويقية. يمكن القول إن ظروف الجائحة قد غيّرت من نظرة البشر بصفة عامة لبعضهم البعض. ربما وبنظرة فلسفية عميقة لحدٍّ ما فإن القيم الروحية طغت على المادية. فقد تأثر الكثير بفقدان أعزاء لديهم أو حتى بالإحساس بالخطر والخوف على من حولنا. ولذلك فقد طغت مشاعر الرحمة والمشاركة والتعاون مع الآخرين والمجتمع على الفردية. من ثمّ فلذلك تأثير كبير لا يمكن تجاهله على سلوكيات العملاء والمستهلكين الذين أصبحوا يتأثرون بشكل أكبر من ذي قبل بالتسويق الاجتماعي

هل التسويق الاجتماعي فعّال؟

لهذه العوامل والمتغيرات أصبح من الضروري انتهاج أساليب جديدة وإبداعية ومبتكرة للتسويق. كما أن الدور الذي يقوم به التسويق الاجتماعي صار كبيراً بما لا يدع مجالاً للشك

ولكي تتضح الصورة بشكل أكبر دعونا نطرح فرضية تجاهل التسويق الاجتماعي. دعونا نعرف ما إذا كان التأثير الاجتماعي مختفي من المعادلة أم إنه رقم هام فيها

استقصاء أجرته مؤسسة Porter Novelli الامريكية وشارك فيه أكثر من 1000 شخص فوق الثامنة عشر من العمر. كانت النتائج كالتالي

يفضل 67% الشراء من شركات تدعم العدالة الاجتماعية 

يثق 67% في الشركات التي تدعم العدالة الاجتماعية 

يدين 64% للولاء لشركات تدعم العدالة الاجتماعية 

 يوصي 63% الآخرين بالتعامل مع شركات تدعم العدالة الاجتماعية 

 يدافع 62% عن هذا النوع من الشركات إن وجدوا من يذكرهم بشكل سلبي 

يتعاطف 61% بشكل عميق مع الشركات التي تدعم العدالة الاجتماعية 

 يرغب 59% في العمل لدى شركات تدعم العدالة الاجتماعية  

النسب المذكورة بالتأكيد تعطي الانطباع عن مدى قوة التأثير الاجتماعي على من هم أكبر من 18 عام. فالأرقام تعكس ذلك بشدة حيث جميعها تقارب الـ 60% من المستهلكين. أي أن عدم انتهاج استراتيجيات التسويق الاجتماعي سوف تتسبب في فقدان أكثر من نصف المستهلكين على الأقل

Sprout Social واحدة من اكبر وكالات التسويق الأمريكية صنّفت أكبر خمس حملات إعلانية انتشارا في العام المنقضي 2021 وقد جاءت ثلاثة منها لشركات تستخدم التسويق الاجتماعي. وقد جاء هذا التصنيف ليعبر بقوة عن مدى نجاح حملات التسويق الاجتماعي في الانتشار وتحقيق الرواج للمؤسسات التي تقوم بها. كما لم تكن هذه الأسماء التي ذكرها التصنيف إلا من الشركات الكبرى بالفعل. على سبيل المثال Dove, American Eagle, Anheuser-Busch

وفي مصر كانت واحدة من انجح الحملات التسويقية هي الحملة التي قامت بها شركة توشيبا بعنوان “شكراً يا أمي”. تلك الحملة التي كانت نموذجاً لرفع الوعي الاجتماعي وتقدير معاني الامومة. كما كانت نموذجاً مثالياً في استراتيجية اختيار التوقيت للقيام بحملة تسويق اجتماعي

التسويق الاجتماعي وفوائد تتخطى المكاسب المادية

في اعتقادنا أن واحدة من أهم أهداف التسويق الاجتماعي هو خلق رابط قوي للغاية بين المستهلك والمنظمة. هذا الرابط الذي يتخذ العنصر الأخلاقي أساساً له سوف يكون من الصعب كسره. بينما ستتجاوز العلاقة بين المنظمة والمستهلك مفهوم الصفقة الواحدة والتي لا تتعدى فائدتها النقود. في حين أن العائد من الاستثمار في التسويق الاجتماعي يتخطى مفاهيم المكسب المادي فقط (والذي سيتحقق على أي حال) إلى مكاسب تغيير سلوكيات المستهلك نحو الأفضل

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

%d bloggers like this: